لم يكن غريبا ان تحاول بعض الأطراف "العميلة" في مصر ان تسيء للشهداء والجزائر، ولم يكن مفاجئا ان يتم التشكيك في هوية المنتخب ووصفهم بالبربر، لأن قوة إيمان الخضر وتوفيق الله أطاح بكبريائهم.. بل وصل الأمر إلى حد زرع الفتنة بين شعبين مسلمين وتشتيت ما تبقى من روابط بين أفراد الأمة الإسلامية الواحدة.
</li>
لكن المشاهد التي رسمها أعضاء المنتخب وتتبع "الشروق" خطواتها من مظاهر التدين إلى قوة الإيمان والتوكل على الله لبعثة المنتخب الوطني، هي أفضل رسالة يوجهها أحفاد الشهداء وعبد القادر و"عنتر" للفراعنة الذين طغوا في البلاد فتركهم الله عبرة لمن لا يعتبر.
لم تمح من ذاكرتي اللحظات العصيبة التي سبقت مباراة الخضر بالقاهرة، والأجواء المشحونة، وتعصب الجماهير المصرية لمنتخبها بعد شحن زائد عن اللزوم من "دكاكين" تدعي الإعلام ولا علاقة لها إطلاقا بهذه المهنة النبيلة.
فالمشاهد التي رسمتها الجماهير المصرية لم تكن توحي إطلاقا بأنها مباراة لكرة القدم، وخيل لنا جميعا وكأننا متوجهون للمعركة من خلال الشعارات التي ظلت تتردد من المصريين قبل خمس ساعات من انطلاق المباراة.
دعاء بالنصر وكأنهم في مواجهة اليهود
فالشعب المصري الذي يعتقد بأن التدين هو الطاغي على مظاهر الحياة، حاول استعمال الشعارات الدينية من أجل الفوز على المنتخب الجزائري، وهذا حق مشروع، لكن ان يكون بالدعاء على شعب شقيق، وان ينكد الله عليهم على طريقة "حمرو" غير المؤدب فهذا غير مقبول.
وظلت مكبرات الصوت تدعو الجماهير الحاضرة والتي غصت بها المدرجات الى قراءة الفاتحة جماعيا.. بعد سويعات من الشتم والكيد للجزائريين.. ثم الدعوة بالنصر وكان الأجدر بإخواننا في الدين أن يتضرعوا لله بأن يغفر لهم ذنوبهم والجرم الذي ارتكبوه من الاعتداء على المناصرين قبل الدخول إلى المدرجات، ثم الشتائم والسباب التي ظلوا يرددونها على فترات متقطعة تتخلله أدعية قرآنية جماعية في مشهد متناقض.
وما حز في نفوس الجزائريين هو شماتة المصريين بالدعاء عليهم، وترديد بعض الشعارات التي لم يطلقها الكثير من الحضور على اليهود الغاشمين في الضفة المجاورة وهم يحتلون أطهر بقاع العالم.
لاعبو "الخضر".. أوروبا لم تبعدهم عن عقيدتهم
رغم محاولات التشويه التي طالت لاعبي المنتخب الوطني في الآونة الأخيرة، وحالة التهويل التي قادها إعلام مصري "عميل" تشكك في هوية لاعبي الخضر، فإن ذلك لم يكن ليثني من عزيمة "العنتر" و"الكريم" في بلد الشهداء.
ولم تكن أضواء الشهرة، والنشأة الأوروبية لأغلب تعداد المنتخب الجزائري لتجردهم من عقيدتهم أو تبعدهم عن الالتزام الديني، ربما على النقيض في التعداد المصري.
فأن يطلق أحمد حسن "أكاذيب" ويساهم في زرع الفرقة والفتنة بين شعبين مسلمين بسبب مباراة في الكرة وهو الذي عاد منذ اقل من شهر من البقاع المقدسة، لا يمكن مقارنته بتصريحات لاعبي "الخضر" كخالد لموشية او كريم زياني وغيرهم ممن ولدوا في أوروبا ورضوا بما حدث عقب مباراة القاهرة مرددين "قدر الله ما شاء فعل.. وما النصر إلا من عند الله"، وهذا الفرق بين الدين المكتسب فطريا ومن يحمل العقيدة في قلبه فعلا وقولا.
لعنة الإصابات والعلاج بالرقية الشرعية
ولم يعد غريبا على الجزائريين وهم يشاهدون زياني ومجموعته يرددون الفاتحة قبل كل مباراة تعبيرا عن تمسكهم بدينهم، فرابح زياني والد اللاعب كريم يقول عن التنشئة الدينية لولده "أنا جزائري مسلم، ربيت كريم على تعاليم الدين، وهو يحافظ على القيام بالفرائض رغم البيئة التي ولد بها ونشأته الفرنسية".
رسالة والد زياني، أكدها رضا اللاعب بقضاء الله عقب الإصابة التي تعرض لها مع فريقه والتي كادت تبعده عن مباراة القاهرة رغم الإرادة الكبيرة التي تحلى بها لتجاوز الوضع.
وآمن اللاعبون الجزائريون بالعين بعد أن طاردت لعنة الإصابات أعمدة المنتخب.
ولجأ أشبال سعدان للرقية الشرعية بعد أيام من الاستطباب في أرقى العيادات بفرنسا وألمانيا، كما كان الحال لبوقرة وزياني، لأنه لم يعد معقولا أن يتعرض جل العناصر الأساسية في وقت واحد.
رقية خاصة لفندق "أبروتيل".. فكرة وليد صادي
ونظرا لحالة التوجس التي عاشها المنتخب بعد الاتهامات الملفقة للجزائريين من "أشقاء" مصريين بأنه قد تم تسميمهم في الجزائر، وبعد حالة الطيش والتخبط التي سادت شوارع القاهرة وأرجائها من اجل مكسب دنيوي وهو الوصول الى المونديال على حساب رابط الأخوة والدين فإن الطاقم الإدراي للمنتخب الجزائري احتاط لكل شيء.
وفي مثل هذه الظروف اهتدى الطاقم الادراي وليد صادي الى فكرة رقية فندق "أبروتيل لوبساج" والغرف التي سيقيم فيها المنتخب خشية تعرضهم للشعوذة أو أمور أخرى على سبيل الاحتياط.
في الوقت نفسه كان المنتخب المصري يستمع لمحاضرات الداعية "خالد الجندي" الذي دعا بالنصر للمصريين على أشقائهم الجزائريين وتناسى بأن هناك من هم في حاجة إلى الدعاء والمساعدة في فلسطين.
اللهم أعدنا إلى الجزائر سالمين غانمين
وفي تسلسل زمني للحادثة، وعقب تعرض بعثة المنتخب للاعتداء في المطار لم يكن هم أشبال سعدان سوى العودة بسلام إلى ارض الوطن، وهي أماني الجزائريين الذين دعوا الله على عودتهم إلى إرض الوطن بخير حتى في حال خسارة تأشيرة المونديال، لأنها مجرد لعبة في الكرة لن تقدم أو تؤخر.
وكرر اللاعبون دعاء كان يردده كثيرا الإداري ابوبكر شنيوني في حافلة المنتخب وبالفندق "اللهم أعدنا إلى الجزائر سالمين غانمين".
أنهى الجزائريون مباراة "القاهرة" بأخف الأضرار وتنقلوا إلى الخرطوم وكلهم أمل على تحقيق الفوز، رغم حالة الإحباط بعد أحداث القاهرة، لكنهم تمسكوا بكتاب الله استنادا لمقولة انه "شفاء لما في الصدور".
وظل أغلب لاعبي الخضر يحملون مصاحف في طريقهم من وإلى ملعب المريخ أو الهلال أثناء التدريبات، بالإضافة إلى أداء صلوات جماعية في فندق "الفاتح" الذي أقاموا به في العاصمة السودانية.
دعاء المظلوم والمسافر .. ودعوات الوالدين
اجتمعت دعوات المنتخب الجزائري جملة واحدة فهم مسافرون وظلموا دون أدنى سبب، وهي نقطة ركز عليها كثيرا الطاقم الفني للمنتخب الجزائري الذي استغل الوازع الديني في شحذ الهمم والرفع من معنويات اللاعبين عقب الاعتداء الوحشي للقاهرة.
لم يكن ذلك رياء أو من قبيل النفاق مثلما يصوره البعض، حيث بقيت هذه المظاهر متستر عنها من أعضاء المنتخب الجزائري إلى يوم النصر.
ورصدت "الشروق" الأحداث التي سبقت المباراة وتحضيرات اللاعبين نفسيا للموعد من خلال حديثها للاعبين الذين قالوا بأن أول إجراء قاموا به هو الاتصال بأوليائهم لطمأنتهم على صحتهم من جهة، وطلب الدعوات من جهة أخرى.
وأتذكر قول بوقرة عقب اللقاء عن سؤالي حول الشعور الذي انتابه قبل اللقاء حينما قال "أول ما قمت به هو الاتصال بالوالدين وطلبت منهما الدعاء لي بالتوفيق".
الاستماع وتلاوة القرآن.. وعنتر ظل ممسكا بالمصحف الشريف
في طريق المنتخب من فندق "الفاتح" إلى ملعب المريخ على مسافة 10 دقائق سيرا بالحافلة على أكثر تقدير، ظل لاعبو المنتخب الوطني يتبادلون الحديث، ومنهم من راح يستمع القرآن الكريم، لكن مشهد عنتر يحيى يبقى عالقا في الأذهان.
وبينت صور التلفزيون الجزائري والفرنسي التي كانت في حافة المنتخب عنتر يحي وهو يحمل المصحف، متعلقا به، وربما هو سر الفوز المحقق للخضر.
وبقي لاعبو "الخضر" في غمرة الفرحة وهم متمسكون بكتاب الله، اذ لم تنس حالة الهيستريا اغلب لاعبي "الخضر" من شكر الله في طريق العودة، وهناك من نذر بالصيام ومن تعهد بتقديم صدقات للفقراء عقب هذا الفوز.
في غرف الملابس.. يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله
لم يختلف الأمر كثيرا عن المشاهد التي رسمها عناصر المنتخب في الحافلة وهم في غرف تغيير الملعب، فعقب التعليمات التي قدمها الطاقم الفني للاعبين، تحول الموضوع الى الجانب الديني من اجل رفع همة اللاعبين.
وتقدم ابوبكر شنيوني ليطلب من اللاعبين قراءة فاتحة الكتاب جماعيا، في مشهد مؤثر، ثم الدعاء بالنصر.
ويبدو أن حالة الشحن تجلت كثيرا في وجوه اللاعبين الذين دخلوا بعزيمة كبيرة لأرضية الميدان، بينما فضل زياني وبوقرة قراءة الفاتحة قبل دخول أرضية الميدان ومسح كامل الجسد بيديهما.
صايفي.. بدأناها بالقرآن وننهيها بالقرآن
في غمرة الفرحة التي عاشها لاعبو "الخضر" والتي لم تخرج عن النطاق، فإن كتيبة سعدان التي رددت الكثير من الأناشيد الوطنية في غرف تغيير الملابس لم تنس فضل الله عليهم فشرعوا في الحمد على نعمة الانتصار.
وقال رفيق صايفي لزملائه وهو يرددون شعار "بلادي وقسما"، "بدأناها بالقرآن وسننهيها بالقرآن"، ليستجيب اللاعبون لندائه ويرددون الفاتحة جماعيا ويشرعون في الدعاء، يؤكد التزام لاعبي الخضر وتمسكهم بدينهم في رد صريح لبعض المتشدقين من المصريين الذين وصفوهم بالبرابرة وأنهم فرنسيون والكثير من النعوت التي أكدت بأننا لازلنا نعيش زمن طغيان الفراعنة وعبادة الأحجار.
فوز في مباراة لن ينسينا القدس وتحرير فلسطين
وقبل ولوج اللاعبين غرف تغيير الملابس وأثناء حديث أعضاء المنتخب للعديد من مراسلي القنوات الفضائية العربية، لم ينس أبطال الجزائر القضية الأساسية وهي تحرير فلسطين.
وقال لموشية للشروق وعدد من القنوات الفضائية "أن دعاء المظلوم مستجاب.. وان العدالة الإلهية أنصفت منتخبنا".
وبدا لموشية في قمة الغضب قائلا "صوروا مباراة كرة القدم أنها مباراة حياة أو موت.. أنها مجرد لعبة ولن تنسينا الهدف الأساسي والقضايا الهامة هو تحرر فلسطين واستعادة القدس.. هذا هو الأهم".
و أهدى كل من صايفي والعيفاوي الانتصار إلى كل الشعب الفلسطيني عقب المباراة ولم يكونا على علم بأن سكان غزة المحاصرين خرجوا في تلك الأثناء إلى الشوارع يحتفلون بنصر "الخضر"، وكل الجزائر التي كانت إلى جنبهم أثناء الاعتداء الصهيوني.
عنتر يحيى.. نحن الرجال أحفاد الشهداء.. ولعنة الله على المنافقين
اما طريقة تعبير عنتر يحيى عن الفوز المحقق فأكده في تصريحاته الساخنة حينما قال "نحن رجال.. والمونديال للرجال فقط.. الحمد لله الذي منحنا القوة.. نحن أحفاد الشهداء والأحق بتمثيل العرب والمسلمين".
وتابع "لقد آسفني مشهد النفاق الذي سيطر في مصر، لا أعمم ذلك، لأن هناك الكثير من المصريين مغلوبين على أمرهم من إخواننا في الدين، لكن البعض صورنا أعداء، وظل يردد شعارات دينية وكأننا يهود".
وتابع "الأحرى بهم أن يواجهوا إسرائيل على الحدود وليس أشقاءهم، لأنها مجرد مباراة في الكرة".
وكان عنتر يحيى قد عبر عن غضبه تجاه الإعلام المصري قبل شهرين من المباراة في حوار مطول عبر صفحات الشروق قائلا "نحن إخوة في الدين ولن تفرقنا مباراة في كرة القدم، و قول لزيدان وكل المصريين أنها مجرد مباراة، الفائز بها لن يدخل الجنة والخاسر فيها لن يدخل الجنة".
دعاء جماعي .. اللهم عليك بالفراعنة الظالمين
وخير ما اختتم به لاعبو المنتخب الوطني احتفالاتهم في بلد الكرم والجود بالسودان هو دعاء جماعي استهله إداري المنتخب الوطني حمدا لله على الفوز المحقق، وهو مسجل بكاميرات التلفزيون الجزائري والقنوات الفرنسية التي كانت حاضرة هناك.
وبدأ ابوبكر شنيوني حديثه بالقول "يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله".. ثم الحمد لله مرات ومرات قبل يكرر اعضاء "الخضر" بالقول "اللهم عليك بالظالمين.. اللهم عليك بالفراعنة".
وفيما يلي نص الدعاء حرفيا مثلما ردده إداري الخضر ورد عليه لاعبو الخضر بالقول "آمين"، طالبين الاستجابة من الله.