صحيح أن الكثير من الجزائريين كانوا محبطين في نهاية مباراة تانزانيا على وقع تعادل “الخضر”، إلا أن الجميع ثمّن لمسة المدرب الجديد حليلوزيتش في أول مباراة له على رأس “الخضر” وبعد أيام قليلة من العمل. المنتخب الوطني
حيث نجح في تغيير أمور عديدة على مستوى الذهنية والخطة كما أبعد الشك عن اللاعبين الذين أدوا مرحلة ثانية مقبولة قياسا بالأولى، التي اكتفوا خلالها بأول ربع ساعة. وكانت تغييرات “الكوتش وحيد” موفقة وكذلك الرسم التكيتكي الذي حوّل المنتخب للعب بـ 4 مهاجمين، فاختلفت الصورة تماما مقارنة باللقاءات الأخيرة وظهر “الخضر” في ثوب جديد رغم مواصلة الاعتماد على نفس اللاعبين.
شخصية قوية ولا يهمه أحد عدا المصلحة الجماعية
الأكيد أن حليلوزيتش يملك الشخصية القوية التي تساعده في التحكم في أي مجموعة كانت، حيث لا يهمه موقف اللاعبين ولا من سيكون خارج الـ 18، فقد استدعى 25 لاعبا لهذا اللقاء عوض 22 كما يفعل بعض المدربين، وهو يدري بأنه سيبعد 7 كاملين تحملوا مشقة البقاء في العاصمة والتربص في سيدي موسى، وكذا التنقل إلى تانزانيا ليكونوا مناصرين لزملائهم في المدرجات. ولكن كل هذه الأمور لا تهم حليلوزيتش، الذي يوظف لاعبيه على أساس ما يحتاج لملء الرسم التكتيكي، ووفقا لمصلحة الفريق وفقط، وحتى التغييرات تتم وفق هذا المقياس حيث لا يخلط الأمور ولا يدخل العاطفة وهو ما ظهر واضحا مساء أول أمس.
يبدة في الاحتياط ومغني خارج الـ 18 لا يفعلها إلا هو
من الصعب جدا على أي مدرب آخر أن لا يعتمد على يبدة أساسيا لأنه قطعة أساسية في المنتخب، ولأن اللاعب استعاد أجواء المنافسة في ناديه الإسباني غرناطة، لكن حليلوزيتش كان عند كلمته في الندوة الصحفية وأبقاه في كرسي الاحتياط، مفضلا عليه مجاني لسبب واحد يتمثل في أنه أكثر جاهزية منه، قبل أن يستعين به عندما كانت هناك ضرورة إلى ذلك في الشوط الثاني. كما أن الناخب الوطني أبقى مغني خارج التعداد تماما، رغم كل ما يحوز عليه اللاعب من شعبية، ولم يشركه لا في 10 دقائق ولا في 5 والسبب واضح هو أن لياقته لا تصلح لمباراة.
وضع التشكيلة 5 ساعات قبل اللقاء، العيفاوي أساسيا ومصطفى من اللعب إلى المدرجات
وحتى التشكيلة الأساسية لم يحسمها المدرب مسبقا، رغم أن بعض اللاعبين كان من الواضح أنهم سيشاركون، حيث تأكد بن يمينة أنه سيلعب في الساعة 11 صباحا عند الاجتماع الفني الذي منح فيه المدرب التشكيلة الأساسية، وكذلك الشأن بالنسبة للعيفاوي الذي لم يكن تماما في الحسابات، ولكن المدرب فضل الاعتماد عليه مدافعا أيمنا على أساس المباريات التي شاهدها له في كأس إفريقيا في أنغولا، مفضلا إياه على مهدي مصطفى الذي كان خارج الـ 18 مع أنه كان مرتقبا كأساسي، والسبب يكمن في معاودة وحيد مشاهدة لقاء المغرب والأخطاء التي ارتكبها لاعب أجاكسيو، ليفضل التخلي عنه قبل 5 ساعات من انطلاق اللقاء.
التغييرات من دون عاطفة وزياني مع مدرب آخر “لا يخرج”
وحتى على مستوى التغييرات بالإضافة إلى سرعة رد الفعل، والتصرف في زمن المباراة من خلال إيجاد الحلول مبكرا، أقصى المدرب عاطفته كلية ولم يفكر في موقف اللاعبين أو مشاعرهم، حيث أخرج بلحاج في فترة ما بين شوطي اللقاء (وهو أمر لم يسبق أن حصل لهذا اللاعب في المنتخب). كما أن حليلوزيتش استبدل زياني لأمور فنية بتاتا مفضلا غزال عليه، رغم أن مدربا آخرا كان سيتمنع عن ذلك من خلال إبقاء زياني باعتبار ثقله في الفريق ولكونه القائد.
فكر هجومي وكل من كانوا في الـ 18 من مهاجمين لعبوا في وقت واحد
وحتى فكر المدرب ظهر أنه هجومي مثلما كان عليه الحال في كوت ديفوار، إذ صحيح أنه دخل بخطة 4-4-2 التقليدية من خلال تواجد مهاجمين اثنين، لكن الأهم من كل هذا أن الكرة كانت هجومية والاندفاع كان موجودا نحو الأمام، والدليل أن اللاعبين الأربعة الذين تم استدعاؤهم في قائمة الـ 18 (اثنان أساسيا والآخران احتياطيان) لعبوا كلهم في وقت واحد والمنتخب متعادل 1-1 وليس منهزم. حيث رمى المدرب بأوراقه في آخر دقائق اللقاء، بعد أن أكد للاعبين أنه لن يخسر أي شيء، وعلى العكس من ذلك كاد فكره الهجومي أن يمكّن “الخضر” من تحقيق انتصار خارج الديار، غاب عنهم منذ مدة لولا سوء التصرف مع بعض الفرص لاسيما لقطة غزال في الثواني الأخيرة.
(د42) يأمر بوعزة بالتسخين ويقوم بالتغيير ثوان بعد الهدف
والشيء الإيجابي أكثر في حليلوزيتش أنه مدرب لا ييأس، حيث وبعد الهدف الذي سجله منتخب تانزانيا جلس على كرسي الاحتياط حوالي 10 دقائق لقراءة الأمور، قبل أن يعود من جديد لتوجيه لاعبيه، وبدأ بمنح توصيات لهامر بوعزة في كرسي البدلاء بعد مرور 35 دقيقة من اللعب، ليأمره بتسخين عضلاته في (د42) وعند نهاية الشوط التحق بوعزة بزملائه في غرف الملابس لأخذ التعلميات، لأن هذا المدرب يعرف ماذا ومتى يريد. ثم طلب الناخب الوطني من المحضر البدني سيريل لوموان تجهيز يبدة وغزال وحتى قادير، الذين أعلموا أنهم قد يشاركون، كما أن معادلة الكفة في (د55) لم تمنع حليلوزيتش من أن ينفذ ما في رأسه، من خلال إخراج مجاني وإقحام يبدة ولم يتراجع عن التغيير مع العلم أنه تم ثوان بعد الهدف فقط، لأن هذا المدرب كان يريد المزيد وليس التعادل.
أخذ المغامرة وأكمل اللقاء بخطة 4-2-4 والمنتخب خلق فرصا عديدة
وبالإضافة إلى الفكر الهجومي فإن حليلوزيتش غامر بكل ما يملك من أوراقه، مفضلا الاعتماد على 4 مهاجمين في الشوط الثاني خاصة في الدقائق الأخيرة، 3 متقدمين ووراءهم غزال في منح الدعم، فصار يلعب بـ 4-2-4 تاركا الدفاع يعاني، وأشار في الندوة الصحفية التي أعقبت اللقاء إلى أنه لعب كل الأوراق الممكنة والتي بحوزته، وتحمل مسؤولية ترك المدافعين من دون مساندة. وقد سمح هذا بخلق فرص عديدة بعد هدف التعادل وهو أمر لم يكن يحدث من قبل، ولو كانت الفعالية حاضرة لكان هناك هدف ثان.
قام بواجبه في شوط المدربين لكن بعض اللاعبين خذلوه
ويبقى الأكيد أن المدرب قام بواجبه على أكمل وجه في شوط المدربين، حيث غير وجه الفريق 180 درجة من خلال التغيير الموقف بإدخال بوعزة مكان بلحاج الغائب في الشوط الأول، وحتى طريقته الهجومية التي سمحت بالاستحواذ على الكرة وبناء هجمات من الخلف، رغم تحمل الدفاع بعض العبء خاصة على الجهة اليمنى، ورغم كذلك الضعف البدني للاعبين الذين كانوا بعيدين عن لياقتهم. ومع هذا كان هناك على العموم نجاح في المرحلة الثانية من المدرب، مع فشل من بعض العناصر التي لم تتجاوب وكان يمكن أن تمنح أكثر لتؤكد نجاح “الكوتشينغ“ على الأقل.
يملك القدرة الابتكار وإيجاد حلول ولا يخاف، ينقص فقط اللاعب الذي يمتلك الحل الفردي
كما أثبت حليلوزيتش أنه مدرب يملك القدرة على الابتكار وفق قراءته للعب، وليس مدربا بالفكر الكلاسيكي الذي يقوم بتغييرات عادية منصبا بمنصب، ففضلا عن تغيير مناصب اللاعبين لدواع فنية وبسبب نظرته الخاصة، كانت تغييراته وكذا تبديل الخطة تأكيدا واضحا أنه مدرب يجرب، ولا يتوقف عن ذلك حتى تأتي النتيجة، كما أن سرعة التغييرات ووقتها يثبت أنه لا يخاف. وما كان ينقص فقط مع جرأة المدرب وقدرته على التجريب والاختراع، هو امتلاك بعض اللاعبين للحلول، لأن المنتخب لا زال يبحث عن لاعب يملك الحل الفردي، وهو ما سيدفع المدرب إلى تجريب عناصر جديدة بحثا عن دماء أخرى.
الجزائريون أعجبتهم حرارته على التماس
وبعيدا عن الأمور الفنية فإن الجزائريين الذين تابعوا اللقاء أعجبوا كثيرا بموقف حليلوزيتش على خط التماس، حيث كان “حار” ولا يتوقف عن الحركة والتوجيه، وحتى الصراخ على اللاعبين، وكأن المباراة مصيرية جدا وحاسمة رغم أن حتى الفوز ربما لم يكن كافيا. كما ظهر للجزائريين أن الناخب الوطني من المدربين الذين يحبون الانتصارات ولا يقبلون الخسارة تماما، كما أن هذه “الغيرة” على المنتخب الوطني والروح التي أظهرها في أول لقاء، أكدت للكثيرين أنه مدرب جاء لينجح وليذهب إلى أبعد ما يمكن ولم لا تجسيد أهدافه.
في نهاية اللقاء “وجهه مقلوب” رغم أنه معفى من تحمل مسؤولية هذا اللقاء
كنا في غرف حفظ الملابس بعد نهاية اللقاء، وكان وجه حليلوزيش “مقلوب” وكأنه خسر المباراة، صحيح أن التعادل لا يفيد في شيء لكن ارتياحه للأداء لم يعبر عنه، وحتى في حديثه مع علي فرڤاني بعد اللقاء مباشرة أمامنا، أعطانا إشارات قوية بأنه حزين فعلا ولا يتصّنع ذلك، رغم أن لا مسؤولية له في هذا اللقاء. باعتبار أن حليلوزيتش لما وقع عقده أعفاه روراوة من تحمل المسؤولية في لقاء أول أمس بالإضافة إلى لقاء إفريقيا الوسطى، ومع هذا كان حليلوزيتش يريد تحقيق أول فوز له.
تمنى حل عقدة 30 سنة لكنه حقق أول نتيجة إيجابية خارج الديار منذ عام ونصف
وكان المدرب يتمنى حل عقدة 30 سنة لم يتمكن فيها أي مدرب أجنبي من الانتصار مع “الخضر” خارج الديار (منذ فوز روغوف في 1981 على نيجيريا)، إلا أنه مع هذا عاد بنتيجة إيجابية هي الأولى من أمام منافس يلعب على أرضه، منذ مباراة أنغولا في “الكان” قبل عام ونصف وآخر. وإذا لم تكن تلك المباراة مقياسا (المنتخبان لعبا لأجل التعادل) فإنه منذ عامين و5 أشهر أي منذ 28 مارس 2009 رجع المنتخب الوطني بالتعادل السلبي من رواندا، وإضافة إلى هذا فالمنتخب الوطني من خلال العودة في النتيجة أكد شخصيته، بعد أن تعودنا على الانهيارات عقب أول هدف.
مدرب جائع للانتصارات هذا هو الذي يلزم لتحقيق أهداف المستقبل
وتبقى الخلاصة التي يجب الوقوف عندها هي أن حليلوزيتش مدرب طموح يرفع العارضة العالية ويحب دائما المزيد، من طينة المدربين الذين يفكرون بطريقة هجومية ويحبون الانتصار بأي طريقة، وهو الأمر الذي يلزم لتحقيق الأهداف المستقبلية مادام الطموح موجودا والرغبة وحتى الوقت. صحيح أن كأس إفريقيا 2012 صفحة طويت وانتهى الأمر بسبب المباريات الأولى من التصفيات التي مرّ فيها “الخضر” جانبا بالأداء والنتيجة، إلا أن المهم هو أخذ العبرة ما دام الوقت كافيا لإعادة المنتخب إلى السكة الصحيحة، لأن هناك مدرب يعرف كيف يعيد الروح للاعبين.
وختم: “انتظروا... هذه ثمرة عمل يومين لازال هناك الكثير“
ويصر حليلوزيتش على أنه لم يعمل فترة كافية مع المنتخب لأنه لا يزال بحاجة إلى وقت أكبر للبقاء مع اللاعبين، مشيرا في رده على سؤال أحد الصحفيين في الندوة الصحفية إلى أنه لم يعمل مدة شهرين على رأس “الخضر” حيث قال: “لا انتظروا هذه ثمرة عمل يومين فقط، ولا يزال هناك الكثير في الفترة القادمة خاصة عندما نبقى عاما كاملا مع بعض، وقتها سنكون أقوى بكثير من هذا المستوى“.
وهي التصريحات بالإضافة إلى ما شاهدناه على الميدان من لمسة، تؤكد أن “الخضر” كسبوا مدربا في انتظار مواصلته وتأكيده مستقبلا وعودة المياه إلى مجاريها، وهي العملية التي لن تتم إلا من خلال مواصلته التجريب وحتى تغيير اللاعبين.
-------------
حليلوزيتش يقدم تقريرا عن تربص ومباراة تانزانيا
رغم وصول الوفد الجزائري من دار السلام في الساعات الأولى من صبيحة أمس إلى الجزائر، إلا أن المدرب حليلوزيتش لم يقض بقية اليوم لأخذ راحة بعد السفرية المرهقة بل عقد اجتماعا مع مساعديه، حيث أنهى التقرير الذي أعده بشأن التربص الإعدادي لمباراة تانزانيا وأهم الملاحظات المتعلقة بهذه المباراة ليقدمه إلى رئيس الاتحادية الجزائرية مؤكدا احترافيته وعدم تهاونه حتى في الأمور الإدارية رغم مشقة السفر.
تابع مباراة إفريقيا الوسطى مع قريشي
استغل المدرب حليلوزيتش بث مباراة إفريقيا الوسطى أمام المغرب في قناة “ميدي سات“ المغربية ليتابعها رفقة مساعده قريشي في فندق الشيراطون مقر إقامته، حيث كانت الفرصة للمدرب البوسني لمعاينة منافسه القادم لحساب الجولة الأخيرة من تصفيات المجموعة الثالثة منتخب إفريقيا الوسطى والذي يتوجب علينا الفوز عليه بنتيجة ثقيلة تصل تسعة أهداف مقابل خسارة المغرب أمام تانزانيا لتحقيق معجزة التأهل إلى النهائيات.